فك الضفيرة
كنت أقف وراء لوح زجاج
شفاف داخل تلك الصوبة الخالية من البشر . الجو مغبش قليلا ، وأمامي حديقة بها خضرة
زاهية ، وزهور قليلة.
هي التي أتت بلا موعد ،
كانت بضفيرتين قصيرتين تنسدلان على ظهرها . كانت طويلة القامة لكنني أعلوها بمقدار
بوصة أو أكثر. مدت يدها وفتحت الباب المغلق، دخلت.
عرفتني على الفور. كانت
صديقة لأختي سلوى. لذلك هزت رأسها في تحية خجلة ، ولطيفة.
كنت أعرف أنها بلا تجارب ، تحب أن تجلس وحيدة ،
تسمع الموسيقى الكلاسيك ، وتهز رأسها ، وهي تعدل موصل الصوت المثبت على أذنيها.
بالتأكيد لم تسمعني عندما ألقيت عليها التحية :
صباح الخير يا شذى.
ضحكت عيناها لشموس بدت خلف اللوح الزجاجي.
قرأت صباح اليوم كتابا
غريبا ، يقول مؤلفه إن كل إنسان ، لابد أن
يصاب بلوثة عقلية ، ولو مرة واحدة في حياته.
قررت أن أجعل لوثتي اليوم ، بدون أي تأجيل.
اقتربت من شذى ، سألتها
: ألم تفكري يوما في فك ضفيرتيك ؟
قالت ، وهي تخلع سماعتي الصوت عن أذنيها : لم
أسمعك جيدا.
قلت بتردد : أريد أن أفك ضفيرتيك.
تلون وجهها بخجل ، وخلدت للصمت. انشغلت في
التربيت على أغصان شجرة تين بنغالي كانت تسقط من أعلى ، تكاد أن تمس الأرض ، لتخترق سطحها .
خرجت ، واشتريت من بائع بجلباب
شعبي في مدخل الحديقة وردة قرنفل بيضاء : هذه لك.
سألتني : هدية أم مقابل الجنون الذي يملأ رأسك؟
خفضت رأسي هذه المرة ، لم أعقب . تركتني أجلس
إلى جوارها.
مددت يدي برفق ، ففككت
ضفيرتها الأقرب لي ، تركتني أفعل ذلك دون أن يظهر على ملامحها أي تأثر . ظلت غامضة . لم تعلق ، فقط لمحت
عينيها الناعستين ، وقد اغرورقتا بالدموع.
انتقلت إلى الجهة الأخرى ، بهدوء وبيد غير مهتزة
هذه المرة ، فككت ضفيرتها الثانية.
انسدل شعرها الكثيف على كتفيها ، رأيتها أجمل.
غرد عصفور ، ورأيتها
تنطلق خارجة من هذا المكان الذي لم يكن به غيري وغيرها.
تركت خلفها شذى جميلا ، بقيت متجمدا في مكاني ،
لا أعرف كيف أتصرف؟ كنت مجنونا بالفعل : كيف فعلت ذلك؟
قبل أن تغيب ، وعندما
صار بيني وبينها مسافة مائة متر، لوحت لي بيدها ، طار شعرها في الهواء فأزاحته
بطرف يدها في سعادة بالغة.