الحزن طفل نائم
محمد بركة
دار غراب للنشر والتوزيع
المبدع محمد الكفراوي يكتب بعين الشاعر عن مجموعتي القصصية " الحزن طفل نائم "
في صحيفة " المصري اليوم "
.....................................................................................................................................
الحزن طفل نائم" .. الحكاية من عمق الذاكرة ووهج التراث وجموح الخيال
كتب ـ محمد الكفراوي :
في مجموعته القصصية " الحزن طفل نائم " الصادرة مؤخرا عن دار غراب للنشر والتوزيع ، يقدم المبدع محمد بركة حكايات قصيرة تبدو كقطع فسيفساء خارجة من عمق الذاكرة ، يدمج فيها بين تفاصيل الحياة اليومية والحداث الواقعية وبين الخيال باعتباره تقنية جامحة قادرة على تحويل الحكي إلى فن سحري يسيطر بحلاوته على القارئ ويجعله مقيدا إلى طرف الحكاية منجذبا إلى اللغة والصور والتراكيب اللغوية الخارجة من عمق التراث والميراث الثقافي الشعبي القروي ، بكل ما يحمله من أصالة وحقيقية وحكمة مخفية .
المجموعة مقسمة الى ثلاثة أجزاء بحسب توقيت الكتابة ، وهو رصد زمني مهم حرص عليه الكاتب لتسجيل اختلاف الحالة الشعورية من فترة الى أخرى . ففي البداية تبدو القصص كأنها آخر إبداع قدمه الكاتب ، وفي الوسط او القسم الثاني مجموعة قصص أشار الى انها كتبت قبل عام 2000 وفي القسم الثالث قصص كتبت بين عامي 2006 و2012 .
التنوع في موضوعات القصص تشير الى ان حالة الابداع الممتدة لدى " بركة " تتجلى في كل الاتجاهات . لكن تظل القرية وسحرها وحكاياتها والامثلة الشعبية والاغاني الطفولية البسيطة والحروب الصغيرة التي تدور بين الأولاد وكذلك الحب البدائي أو الجنس بصيغته العبثية يطل من القصص بطريقة تحمل الكثير من الدلالات والرموز ، ويشغل الحلم مساحة كبيرة في القصص ، ويعتبر هو المرتكز الأساسي لجموح الخيال ، وهو ما يظهر ببهاء في قصتي خالتي نادية وعمي إبراهيم .
الخدمة في الجيش والتعامل مع الواقع الخشن الذي تمثله هذه البيئة بكل ما فيها من تفاصيل حول الطعام والشراب والليالي الصعبة التي يقضيها الشخص في الخدمة وتعامله مع أصدقائه ورفقائه والتعامل مع الحرب باعتبارها رعبا يطل من الأفق وينتظر ليلتهم الجميع .
تتميز قصص المجموعة في معظمها بالقصر الشديد ، من ثم تظهر قيمة التكثيف اللغوي ودور التراكيب اللغوية التصويرية في شحن المشاعر وتوجيه القارئ تجاه الحالة التي يريدها المبدع ، كما تظهر اللغة الشعرية البسيطة والمنمقة والمشحونة بالصور التخيلية والايهامات وتداعى الحواس.
العديد من القصص تتجاوز فكرة القرية والمدينة والصراع بينهما وتتجه بطريقة أو بأخرى الى ثقافة الغرب الى المجتمع الغربي بكل ما فيه من عادات وتقاليد واختلافات جوهرية عن مجتمعنا ، ما يظهر جليا في أكثر من قصة عن الحب وعن المدن وعن الأشخاص وحتى عن المطر وأثره في نفسية أبناء القرية وكيف يستقبلونه، وفي المقابل كيف يتم التعامل معه في الغرب من خلال كرات الثلج وغيرها من المظاهر .
في قصة " أنا ومبارك والشعر الأبيض " يبرز الكاتب العديد من لااسقاطات على نظام المخلوع ، ويرصد مشاهد الثورة باعتبارها الأكثر تعبيرا عن شيخوخة الوطن والنظام ، وهو ما يتبدى حتى في شيخوخة الأشخاص أو بطل القصة الذي يتفاجأ بزحف الشعر الأبيض ، وينصحه اصدقاؤه بالصبغة الا انه يستخدم الصبغة كهتاف ضد مبارك وشيخوخته وكهولة نظامه .
التعاطف مع المقهورين والمهمشين والمنسيين ، ورصد حيواتهم ضمن قصص لا تخلو من سحر خاص ومن شاعرية مميزة ، تضفى على المجموعة بهاء استثنائيا ، خاصة مع تعشيق تلك القصص الإنسانية البسيطة والدالة على المجتمعات المقهورة والمهمشة ، مع قصص نابتة او مستوحاة من المجتمعات الغربية .
تعتبر مجموعة " الحزن طفل نائم " مجموعة بانورامية بالنسبة للمبدع محمد بركة ، وتتضمن العديد من السمات والخصائص الاسلوبية المتفردة التي يتم تظيفها بحرفية عالية داخل النص ، حتى الأمثال الشعبية والكلمات والجمل والتعبيرات العامية والألفاظ النابية ، جميعها يتم توظيفها بطريقة سلسلة وتلقائية دون تصنع او افتعال .
وتعتبر هذه المجموعة إضافة جديدة لمشوار بركة الذي يتجلى في العديد من المجموعات القصصية والاعمال الروائية مثل مجموعة "كوميديا الانسجام" ومجموعة " 3 مخبرين وعاشق " ورواية " الفضيحة الإيطالية" ورواية " عشيقات الطفولة " ورواية " الزائر " ورواية " أشباح بروكسل ".
التسميات :
مقالات