استراحة فاروق
لا أعلم لماذا تخيلتُ
الملكة "حُتِبْ حِرِس" ممددة أمامى،أتأملها لحظات .. ليست مُومِيَّا ..
إنها حيه .. تبتسم .. أتعجب .. أشعر وكأن جسدى محمول على يد عملاقة .. أتذكر اليد
التى كانت تقبض على رقبتى فى كابوس الصباح .. .. بعد لحظة أشاهدنى .. !! نعم .. أنا هناك .. أسير بين مجموعة من الرجال
.. عارى الصدر، أرتدى نُّقْبَةُ توارى عورتى، كنا عشرون رجلًا لنا نفس تفاصيل
الجسد، نحمل محفة .. كل خمسة رجال يحملون قائم زاوية من أربع تخص المحفة التى تجلس
فوقها الملكة "حُتِبْ حِرِس" فوق مقعدها، نتجه ناحية الشمس الغاربة، من
بعيد تنتشر أصوات تترنم بصوت حزين، على مقربة تبدو مقبرة يقف أمامها كاهن حليق
الرأس، أكحل العينين، يتدلى كرشه أمامه وقد غطى جسده بجلد نمر.
نحمل الملكة زوجة الإله وأم الملك كى تشاهد
مقبرتها التى انتهى العمال من حفرها ونقشها. أحاول تأمل المكان لكنى لا أقوى على
رفع عينيىَّ أمامى .. يبدو أن تلك طبيعة يُجبر عليها العبيد .. ألا ترفع عيناك فى
حضرة الملوك..!! لكنى لستُ منهم ويجب أن أشاهد .. يا لها من جفون ثقيلة وعيون
جبانة .. بصعوبة بالغة أختلس نظرة خاطفة من طرف عينى لتقع على بعض من تفاصيل
المكان من حولى، رغبة داخلية قاتلة فى معرفة أين أنا؟! .. أنا هنا .. فى مكانى ..
فى منطقة الأهرامات .. لكن جسدى تخطى آلاف السنين فى عمق الماضى .. المنطقة التى
يقبع فيها تمثال أبو الهول هى منطقة جبلية خالية تمامًا .. صحراء مترامية الأطراف
لا يشقها غير الهرم الذى أشاهد قاعدته إلى جوارى، لا أستطيع رفع رأسى لمشاهدة
ارتفاع الهرم وقمته .. قاعدته فقط هى المتاحة لأمثالى فى تلك اللحظات التى تتربع
فيها الملكة فوق محفة نحملها على أكتافنا .. نصل إلى باب المقبرة، بهدوء، يبدو أننا احترفناه، نهبط بالمحفة وقد
التصقت جباهنا بالأرض فلا نرفع رؤوسنا قبل أن ترحل الملكة؛ يحنى الكاهن رأسه أمام
الملكة وهى تترجل من فوق المحفة بملابسها ناصعة البياض، أشاهدها بطرف عيني متجهة
إلى باب المقبرة، تهبط درجات السلم .. نعتدل حاملين المحفة إلى جانب فى انتظار
عودتها .. أتجول ببصرى فى المكان .. فإذا بى أرفع رأسى لأتأمل الهرم الأكبر ..
أشهق بصوت مسموع .. إنه نصف هرم .. قطع صخرية ضخمة تمثل عددًا من المصاطب حتى بلغت
ارتفاع ما يزيد عن الخمسين مترًا.. متى تم بناء هذا الجزء ولم يصعد الملك خوفو
أريكة الحكم إلا من أيام معدودة؟! أفيق على صوت حارس المقبرة يتردد صداه فى المكان يستدعينى للخروج
متسائلا "أذهبت فى النوم يا أستاذ؟!" أقف وأتمطى نافضًا عنى ذلك الخدر الذى يسرى فى جسدى .. مؤكد غفوت ..
لقد شاهدتُ الملكة صاحبة المقبرة .. لم تكن مسنة .. أربعينية كانت، ترتدى ثوب من
الكَتَّان الأبيض الخفيف لدرجة تكشف عن تفاصيل دقيقة لبعض من أجزاء جسدها، فى
زيارة إلى مقبرتها وعلى محياها سعادة . أصعد درجات سلم المقبرة .. أعود إلى العالم يصافحنى الهواء البارد مع
وجه الموظف الحارس مبتسمًا تلك الابتسامة التي تعنى أنه تركنى بالداخل كما أشاء
ويجب أن يحصل على مقابل مادى، حتى إنه يمد يده أمامه !! إنها ليست ملكية أبوك لتجمع الإتاوات مقابل دخولها أيها الحقير
..!!